بحث متقدم
الزيارة
7196
محدثة عن: 2012/04/19
خلاصة السؤال
ما المراد من قوله تعالى {إِنَّا سَنُلْقِی عَلَیْکَ قَوْلاً ثَقِیلاً }؟
السؤال
ما المراد من قوله تعالى {إِنَّا سَنُلْقِی عَلَیْکَ قَوْلاً ثَقِیلاً }؟
الجواب الإجمالي

المراد من القول الثقیل فی الآیة المبارکة هو القرآن الکریم، و قد وجهه المفسرون بتوجیهات متعددة، من قبیل أن: القرآن قول إلهی ثقیل من حیث تلقی معناه فإنه کلام إلهی مأخوذ من ساحة العظمة و الکبریاء لا تتلقاه إلا نفس طاهرة من کل دنس منقطع عن کل سبب إلا الله سبحانه. و من حیث القیام بما یشتمل علیه من أمر الدعوة و إقامة مراسم الدین الحنیف، و إظهاره على الدین کله فیشهد به ما لقی (ص) من المصائب و المحن فی سبیل الله و الأذى فی جنب الله على ما یشهد به الآیات القرآنیة الحاکیة لما لقیه النبی (ص) من المشرکین و الکفار و المنافقین و الذین فی قلوبهم مرض من أنواع الإیذاء و الهزء و الجفاء.

الجواب التفصيلي

الثقل کیفیة خاصة للاجسام، تؤدی الى صعوبة حمل الشیء و نقله الى مکان آخر، و قد تستعمل هذه المفردة "الثقل" فی غیر الاجسام المادیة استعمالا مجازیا على نحو الاستعارة، فیقال على سبیل المثال: کان الدرس الیوم ثقیلا؛ بمعنى أنه کان استیعابه من قبل التلامیذ ثقیلا و صعبا، أو یقال: ان الخطاب الیوم احتوى على ابحاث علمیة معقدة من الصعب تحملها و استیعابها من قبل عموم الناس. فقد جاء استعمال المفردة فی مثل هذه العبارات و اطلاقها على الامور المعنویة إذ مما لاریب فیه أن ثقل المطالب و الابحاث العلمیة لیس من قبیل ثقل الاشیاء المادیة، و هکذا اذا استعمل الکلمة فی الاوامر و النواهی التی یعصب تحملها و الثبات علیها.

و من هنا قال العلامة الطباطبائی (ره): فربما أضیف الثقل إلى القول من جهة معناه فعد ثقیلا لتضمنه معنى یشق على النفس إدراکه أو لا تطیق فهمه أو تتحرج من تلقیه کدقائق الأنظار العلمیة إذا ألقیت على الأفهام العامة، أو لتضمنه حقائق یصعب التحقق بها أو تکالیف یشق الإتیان بها و المداومة علیها.

و القرآن قول إلهی ثقیل بکلا المعنیین: أما من حیث تلقی معناه فإنه کلام إلهی مأخوذ من ساحة العظمة و الکبریاء لا تتلقاه إلا نفس طاهرة من کل دنس منقطع عن کل سبب إلا الله سبحانه، و کتاب عزیز له ظهر و بطن و تنزیل و تأویل تبیانا لکل شی‏ء، و قد کان ثقله مشهودا من حال النبی (ص) بما کان یأخذه من البرحاء و شبه الإغماء على ما وردت به الأخبار المستفیضة.

و أما من حیث التحقق بحقیقة التوحید و ما یتبعها من الحقائق الاعتقادیة فکفى فی الإشارة إلى ثقله قوله تعالى: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَیْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْیَةِ اللَّهِ وَ تِلْکَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ»[1]، و قوله تعالى: «وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ کُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى‏»[2].

و أما من حیث القیام بما یشتمل علیه من أمر الدعوة و إقامة مراسم الدین الحنیف، و إظهاره على الدین کله فیشهد به ما لقی (ص) من المصائب و المحن فی سبیل الله و الأذى فی جنب الله على ما یشهد به الآیات القرآنیة الحاکیة لما لقیه النبی (ص) من المشرکین و الکفار و المنافقین و الذین فی قلوبهم مرض من أنواع الإیذاء و الهزء و الجفاء.

فقوله: «إِنَّا سَنُلْقِی عَلَیْکَ قَوْلًا ثَقِیلًا» المراد بالقول الثقیل القرآن العظیم على ما یسبق إلى الذهن من سیاق هذه الآیات النازلة فی أول البعثة، و به فسره المفسرون.

و الآیة فی مقام التعلیل للحکم المدلول علیه بقوله: «قُمِ اللَّیْلَ» إلخ فتفید بمقتضى السیاق- و الخطاب خاص بالنبی (ص)- أن أمره بقیام اللیل و التوجه فیه إلیه تعالى بصلاة اللیل تهیئة له و إعداد لکرامة القرب و شرف الحضور و إلقاء قول ثقیل فقیام اللیل هی السبیل المؤدیة إلى هذا الموقف الکریم و قد عد سبحانه صلاة اللیل سبیلا إلیه فی قوله الآتی: «إِنَّ هذِهِ تَذْکِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِیلًا»..... و إذ کان من ثقل القرآن ثقله من حیث التحقق بحقائقه و من حیث استجابته فیما یندب إلیه من الشرائع و الأحکام فهو ثقیل على الأمة کما هو ثقیل علیه (ص). و معنى الآیة إنا سنوحی إلیک قولا یثقل علیک و على أمتک. أما ثقله علیه (ص) فلما فی التحقق بحقائقه من الصعوبة و لما فیه من محنة الرسالة و ما یتبعها من الأذى فی جنب الله و ترک الراحة و الدعة و مجاهدة النفس و الانقطاع إلى الله مضافا إلى ما فی تلقیه من مصدر الوحی من الجهد، و أما ثقله على أمته فلأنهم یشارکونه (ص) فی لزوم التحقق بحقائقه و اتباع أوامره و نواهیه و رعایة حدوده کل طائفة منهم على قدر طاقته.

و للقوم فی معنى ثقل القرآن أقوال أخر:

منها: أنه ثقیل؛ بمعنى أنه عظیم الشأن متین رصین کما یقال: هذا کلام له وزن إذا کان واقعا موقعه.

و منها: أنه ثقیل فی المیزان یوم القیامة حقیقة أو مجازا بمعنى کثرة الثواب علیه.

و منها: أنه ثقیل على الکفار و المنافقین بما له من الإعجاز و بما فیه من الوعید.

و منها: أن ثقله کنایة عن بقائه على وجه الدهر لأن الثقیل من شأنه أن یبقى و یثبت فی مکان. و غیر ذلک من التفسیرات.[3]



[1] الحشر، 21.

[2] الرعد، 31.

[3] العلامة الطباطبائی، السید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏20، ص: 61- 63، مکتب النشر التابع لجماعة المدرسین فی قم، الطبعة الخامسة، 1417هـ.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما هی العلاقة بین تشکیل الحکومة الالهیة و الفطرة؟
    5796 الانظمة 2011/12/01
    نحن لا ننظر الى تشکیل النبی الاکرم (ص) للحکومة، نظرة بشریة صرفة و انما القضیة عندنا إلهیة و أن النکتة التی اقتضت صدور الامر الالهی بتشکیل الحکومة بجمیع ابعادها یظهر مما اشار الیها الامام الباقر (ع) عندما قال: "...وَ لَمْ یُنَادَ بِشَیْ‏ءٍ کَمَا نُودِیَ بِالْوَلَایَة"، فالحکومة إذن هی ...
  • لو علم شخص بنجاسة شیء فهل یجب علیه إعلام الآخرین بذلک؟
    4763 الحقوق والاحکام 2011/01/15
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی. ...
  • هل التضخم یوجب ضمان ارتفاع قیمة القرض، أو وثیقة القرض التی بیعت لأجل تسدید القرض؟
    4532 الحقوق والاحکام 2009/04/13
    توجهنا بهذا السؤال إلى مکاتب المراجع العظام و جاء جوابهم کالتالی:مکتب سماحة آیة الله العظمى السید الخامنئی (مد ظله العالی):فی الفرض المذکور أنت لا تضمن أکثر من المبلغ الذی استلمته کقرض، و إن کان الأحوط المصالحة بالنسبة لقیمة التفاوت.مکتب سماحة آیة الله العظمى مکارم الشیرازی (مد ظله ...
  • هل یوجد تناقض بین حالة أمیر المؤمنین علی (ع) حین أعطى خاتمه للسائل، و حالة إخراج السهم من رجله دون ان یشعر به؟
    6693 درایة الحدیث 2007/09/10
    یمکن الإشارة فی الجواب إلی النکات التالیة:1. ان للانسان قدرة و استعداداً لأن یکتسب الکمالات عن طریق أداء الأعمال التی فرضها الله تعالی، و یصل إلی محل یکون حاصلاً علی جمیع الکمالات فینال مقام الانسان الکامل.2. ان نیل مقام الانسان الکامل لیس معناه أن تکون جمیع حالات الانسان ...
  • ما الفرق بين بعد النظر و طول الأمل؟
    10671 درایة الحدیث 2012/07/21
    إن بعد النظر نوع من التدبير و هو ما يحتاجه كل عاقل، إذ لابد لأي شخص أن يدبّر لحياته المستقبلية و يدرس تقلّب الأوضاع و يستشير الخبراء بالقدر المطلوب، ثم يقوم بتخطيط خطة جامعة و عملية على أساس جميع هذه المعطيات و يسعى لتنفيذها. و لكن الآمال ...
  • ما دور الزوج عند حصول الخلاف بین أمّه و زوجته؟
    6413 العملیة 2013/07/21
    لکل من الأب و الأم و الزوجة حقوق على عاتق الرجل علیه أن یؤدیها ما أمکن ذلک و إن کان للأم و الأب خصوصیة خاص فی الإسلام إذ قد جعل الله تعالى لهما مقاما رفیعاً. فعلى الرجل حفظ الموازنة و عدم الإنحیاز بین والدیه من جهة و زوجته ...
  • ما هی الغایة و الهدف من الرؤیا فی المنام؟ لماذا اوجد الله الرؤیا؟
    9285 العملی 2012/01/16
    ان الرؤیا فی المنام هی احدی الآیات الالهیة و هی نافذة نحو عالم الغیب خلقت من روح الانسان و جسمه و اعتبرت من صفاته و خصائصه الطبیعیة. ...
  • ما هی طبیعة الاسئلة التی تثار عند خطبة المرأة؟
    4974 العملیة 2011/04/17
    تعد اللقاءات و الجلسات التی تحصل فی اثناء الخطبة فرصة ثمینة لتعرف الطرفین بعضهم على البعض الاخر، و بما ان الطرفین یرومان اتخاذ قرار مصیری یتعلق بحیاتهما المشترکة من هنا ینبغی التعرف على کل ما یتعلق بهذه القضیة و کل ما له مدخلیة فی نجاحها او رفع ...
  • هل الاكتحال و التزين اثناء الصيام مبطل للصوم؟
    5636 الحقوق والاحکام 2012/04/08
    لا يعد ذلك من مبطلات الصيام، و لكن لا يبعد كراهة كل ما يعد من الاكتحال، و اما سائر ادوات التجمیل فلا كراهة فيها اذا كانت بصورة رقيقة.[1] نعم، اشار مراجع التقليد الى حرمة تجمل المرأة أمام الرجال الاجانب.
  • لماذا الاستعاذة قبل " البسملة؟
    6772 علوم القرآن 2008/10/28
    ان من آداب تلاوة القرآن الواردة فی القرآن و الروایات هو  الاستعاذة من الشیطان و قول "اعوذ بالله من الشیطان الرجیم" قبل تلاوة القرآن، و یکون وقت ذکرها قبل "بسم الله الرحمن الرحیم" و ذلک لان بسم الله الرحمن الرحیم هو من القرآن. و بالطبع فانه لا ینبغی أن تکون ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279621 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257796 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128389 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113746 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89131 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    60112 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59740 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56989 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    50134 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47318 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...