بحث متقدم
الزيارة
6562
محدثة عن: 2007/03/14
خلاصة السؤال
ما معنی اضلال الله الوارد فی القرآن الکریم؟
السؤال
ما معنی اضلال الله الوارد فی القرآن الکریم؟
الجواب الإجمالي

ان (الضلال) و (الضلالة) بمعنی الانحراف عن الحق، و الاضلال هو ما یقابل الهدایة و هو من الامور العدمیة، و بما ان الهدایة بمعنی الدلالة و الارشاد الی المطلوب فالاضلال هو فقدان الهدایة. و بالاصطلاح المنطقی فان النسبة بینهما هو نسبة الملکة و العدم؛ یعنی انه اذا حلٌت الهدایة فی موضع ما فلا یمکن ان تکون هناک ضلالة ابداً، و لکن اذا لم تکن الهدایة موجودة فان عدمها هو الضلالة، و لهذا لایمکن نسبة الضلالة الی الله تعالی، بخلاف الهدایة، لان العدم لیس قابلاً للأخذ و الاعطاء.

و علی خلاف الهدایة التی هی تکوینیة و تشریعیة فان الاضلال تکوینی فقط و لیس هناک إضلال تشریعی، لان الله تعالی هاد بالذات و لولا انه کذلک لأمکن للضالین و المذنبین ان یحتجوا امام الله بقولهم اننا کنا نرید هدایتک و لکنک أضللتنا.فالله تعالی یدعو الجمیع ابتداءً بالهدایة التشریعیة و الابتدائیة الی الصراط المستقیم و طریق الصلاح و الفلاح و الفوز، و لیس فی هذه المرحلة أی اضلال، و لکن من یرفض دعوة الهدایة التشریعیة هذه ویسلک باختیاره طریق الضلال، ثم لم یتنٌبه فی مهلة التوبة و تراخی الانابة و تأخیر العقوبة و لم یستثمر هذه الفرصة لکی یرجع الی فطرته الالهیة، فانه حینئذٍ سیبتلی بالضلال التکوینی الالهی. و علی هذا فالاضلال من قبل الله هو قطع الهدایة و سلب النعمة و التوفیق و ترک الانسان لحاله و ایکاله الى نفسه، و نتیجة هذا هی الضلال و الحیرة فی طریق الهدایة. اذن ففی الحقیقة ان عمل الانسان المنحرف علة للحرمان من الهدایة الالهیة و هذا هو معنی الاضلال التکوینی( الله لا یهدی القوم الظالمین).

الجواب التفصيلي

1ـ معنی(ضلل): ان الضلال و الضلالة هو بمعنی الانحراف عن الحق[1]، و الواقع ان الضلالة هی ما یقابل الهدایة ، و الاضلال هو ما یقابل الاهتداء ، و بما ان الهدایة هی بمعنی الدلالة و الارشاد الی المطلوب فالاضلال هو فقدان ذلک.[2]

2ـ النسبة بین الهدایة و الاضلال:( الهدایة) أمر واقعی و موجود، و (الاضلال) امر عدمی غیر موجود، و لذا یمکن ان تنسب الهدایة الی الله، لکن لایمکن نسبة الضلالة إلیه، لان ما یکون عدماً، لیس قابلاً للاخذ و الاعطاء و الضلالة عدم الهدایة، و باصطلاح المنطق فان النسبة بین هذین الامرین هی نسبة الملکة و العدم؛ یعنی اذا حلت الهدایة فی محٌل فلا یمکن ان توجد الضلالة هناک ابداً.و لکن اذا لم توجد الهدایة فعدمها هو الضلالة.[3]

3ـ المراد من الاضلال: یستفاد من آیات القرآن الکریم ان الهدایة الالهیة علی قسمین: تکوینیة و تشریعیة، و یحصل کل انسان علی کلا القسمین، و هذا بخلاف الاضلال الذی هو تکوینی فقط و لایوجد اضلال تشریعی، لان الله تبارک تعالی هاد بالذات، لانه یستحیل ان یکون رباً بالذات و معبوداً بالذات و مستعاناً مطلقاً و لایکون هادیاً بالذات[4]. و لولا هذا لاحتج الضالون و المذنبون علی الله بقولهم: انا کنا نرید هدایتک و لکنک أضللتنا!!. و علیه، فلیس لله اضلال تشریعی و ابتدائی، فهو یدعو الجمیع ابتداءً بالهدایة التشریعة و الابتدائیة الی الصراط المستقیم و الصلاح و الفلاح و الفوز، و لیس فی هذه المرحلة أی اضلال و لکن من یرفض دعوة الهدایة التشریعیة هذه و یسلک باختیاره طریق الضلال، ثم لم یتنٌبه فی مهلة التوبة و تراخی الانابة و تأخیر العقوبة و لم یستثمر هذه الفرصة لکی یرجع الی فطرته الالهیة فانه حینئذ سیبتلی بالاضلال التکوینی الالهی[5].

4ـ الضلالة الابتدائیة و الضلالة الجزائیة و الفرق بینهما:

الضلالة الابتدائیة هی ان یرید الله ابتداءً اضلال الانسان.و هذا أمر محال علی الله و لایتلاءم مع حکمته تعالی حیث انه لایصدر من ناحیة ذات الله القدسیة غیر الخیر و الرحمة.فهو لایضل احداً ابتداءً و انما اضلاله جزائی، بمعنی ان المنحرفین بسوء اختیارهم سلکوا طریق الباطل و ابتلوا بالضلال. اذن ففی الحقیقة ان الضلال الابتدائی منسوب إلی عباد الله، و الضلال الجزائی منسوب الی الله تعالی[6].

النتیجة: معنى الاضلال الالهی: ان الاضلال من قبل الله هو عبارة عن قطع الهدایة و استرجاع النعمة و التوفیق و ترک الانسان لحاله، و هذا نتیجة الضلال و الحیرة فی طریق الهدایة[7]. فانه اذا لم یستجب الانسان للهدایة التشریعیة الالهیة فان الله أیضاً ـ و بناء علی رغبة الانسان نفسه ـ  سوف یحرمه من هدایته التکوینیة، وحینئذ یترک الانسان الضال لحاله . وبعبارة اخرى:ان عمل و فعل الانسان الظالم و الکافر و المنحرف، هو علة لحرمانه من الهدایة الالهیة، و هذا یتم علی اساس سنة النظام الکونی الذی هو نظام علّی و معلولی، و لذا قال الله تعالی ( الله لا یهدی القوم الکافرین[8]...الظالمین[9]...و الفاسقین.[10]



[1] القریشی، السید علی اکبر، قاموس قران" قاموس القرآن"، ج 4، ص 192.

[2] نفس المصدر، ج 7، ص 145.

[3] الجوادی الآملی، تفسیر موضوعی قرآن در قرآن" التفسیر الموضوعی، القرآن فی القرآن" ج 1 ص 197.

[4] نفس المصدر، ج 7، ص 145.

[5] نفس المصدر، ص 197

[6] العلامة الطباطبائی، المیزان، ج 12، ص 444.

[7] مکارم الشیرازی، تفسیر نمونه" الامثل"، ج 6 ص 444.

[8] البقرة، 264؛ المائدة،67؛ التوبة،86.

[9] البقرة، 258؛ المائدة،51؛ آل عمران،86.

[10] التوبة،80؛ آل عمران، 86؛ المائدة،108.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279557 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257588 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128304 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113524 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89094 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    60010 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59683 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56946 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    50006 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47272 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...